الأردن يحاكم «حقبة ونهجا»: نضج الحراك بعد «اغتصاب» القرار
Giugno 9, 2018
Amer Al Sabaileh
Director of Security Languages - Senior political and security analyst
شكلت الاحتجاجات المندلعة في الأردن مادة غنية للرصد والتحليل على مدار الأيام الماضية، وأفردت معظم القنوات العالمية تغطيات خاصة ولافتة للمسألة الأردنية. وهنا لابد من الإشارة لضرورة إسقاط عامل المفاجأة عند التعاطي مع مسألة حراك الشارع الأردني، فشعارات الشارع كانت على مدى السنوات الماضية محور حديث الأردنيين في معظم جلساتهم وأحاديثهم الخاصة.
تشكل طبيعة التحرك الأردني دعوة فعلية لاستيعاب العمق الحقيقي للحراك ودوافعه ومحركاته. فمن ناحية، يُصر البعض على اختزال هذا الحراك بالعامل الاقتصادي، وبارتباطه العضوي في الإجراءات الاقتصادية التي دفعت الناس إلى الشارع.
لكن لابد من النظر إلى الأمور من زاوية أكثر شمولاً وعمقاً. فقد لا يختلف إثنان على ان صاعق التفجير للغضب الأردني اليوم كان اقتصادياً، لكنه في جوهره تعبير عن حالة تراكمية من الغضب الذي خرج إلى السطح بعد اتمام عملية النمو الداخلي. كذلك لابد من الإقرار ان في دولة مثل الأردن من المستحيل ان تقتصر وصفة الحل الاقتصادي على إجراءات اقتصادية دون مراجعة سياسية حقيقية. ولعل الذهنية الأردنية ما زالت تستحضر، ثورة 1989 «هبة نيسان» والتي أسقطت الأحكام العرفية وكسرت احتكار فئة متغولة للسلطة وأعادت للأردنيين بعضاً من حقوقهم السياسية.
لسنا هنا في صدد عقد مقارنات بين حقب سياسية سابقة، لكن لابد من التأكيد على استحالة قراءة الأحداث الجارية في الأردن بعيداً عن طبيعتها السياسية وحجم التحولات التي يشهدها المجتمع الأردني. قد يكون أبرز ما يميز الحراك الأردني هو الروح الشبابية البعيدة كل البعد عن الايديولوجيات المفرقة أو التجاذبات الإقليمية، مما يجعل الحراك اليوم وصفة أردنية خالصة ناتجة عن رحم المعاناة الأردنية نفسه. هذه العوامل أدت اليوم إلى إسقاط عوامل التهشيم الداخلية والانقسامات المجتمعية العامودية والعرضية، فالفئات العمرية المتقاربة توحدها اليوم مشاكلها المشتركة.
الشباب الأردني المهمش والمحروم من المشاركة في صناعة مستقبله بسبب تغول فئة قليلة على إدارة المشهد السياسي والاقتصادي، واغتصاب صناعة القرار، يجد نفسه اليوم في مواجهة مباشرة مع حقبة كاملة بشخوصها وسياستها، ويجد نفسه في تحد حقيقي بأن ينتقل بالأردن إلى مرحلة نقية خالصة من شوائب السياسات السابقة وشخوصها وتفتح باب الأمل بمستقبل تكون نواته الأساسية مشروعاً وطنياً أردنياً قادراً على ضم جميع فئات الشباب وإشعار الأردنيين بأردنيتهم الغائبة، وامتلاكهم لمؤسسات دولتهم وتحويلهم إلى لاعبين فاعلين في المشهد السياسي الأردني ومشاركين حقيقيين في بناء مستقبلهم.
في السنوات الأخيرة، ظهرت إشارات واضحة لتشكل حالة متطورة من الوعي السياسي لدى فئات كبيرة من الشباب الأردني (تجمعات طلابية، تيارات فكرية وسياسية) في إشارة واضحة إلى حراك نوعي ناضج يسعى لكسر طوق الحصار السياسي الذي تفرضه عليه التركيبة التقليدية المترهلة للحياة السياسية في الأردن. وبالرغم من غياب أي التفات حكومي لهذه الظواهر، إلا ان هذا التطور اللافت في مستوى الوعي السياسي، واكبه اتساع دائرة الشعور بالإحباط، والصعوبات الاقتصادية، وارتفاع مستويات البطالة. في المقابل، أظهرت الحكومة عجزاً عن معالجة المشاكل الاقتصادية المستشرية، متذرعة بتوقف المساعدات الأجنبية وتغير الموقف الخليجي وعبء اللجوء السوري.
معادلة الإفلاس السياسي هذه، قادت الحكومة إلى انتهاج نهج جبائي بامتياز أجج مشاعر الغضب والاحتقان لدى كافة فئات الشعب الأردني، يضاف إلى ذلك غياب أي قدرة على التواصل مع الداخل في صورة رسخت المنهج الاستعلائي على الشعب، وهذا ما لا يمكن إسقاطه عند قراءة مشهد الاحتجاجات في الأردن. فالوزراء المفروضون على الشعب الأردني، لم يتمتعوا بأي خاصية من خصائص الحكم الرشيد التي تتطلب في أدنى مستوياتها ان يتمتع المسؤول بقدرة على الاقناع والتواصل مع الجمهور.
وما زاد الطين بلة، هو حالة الفراغ المتشكل في جسد الدولة الفاقدة للشخوص القادرة على التعبير والظهور في وقت الأزمات، لا بل ان المسؤول في العهد الأخير بات لا يتقن إلا فن التأزيم في حال قرر الكلام.
الوضع الحالي في الأردن يتطلب قراءة معمقة بعيدة عن السطحية وخاصية انكار وجود الأزمة التي تميز بها أصحاب القرار في الأردن. ان خروج الأردنيين اليوم إلى الشارع يشكل بحد ذاته نقطة فاصلة ومهمة تستدعي الادراك بأن الشباب الغاضب يحاكم اليوم حقبة ونهجا، لا قرارا أو إجراء اقتصاديا.
ان نمط هذه الاحتجاجات في أي مملكة يتطلب التوقف ملياً، فنحن هنا لا نتحدث عن صراع ايديولوجي حزبي بين أحزاب حاكمة، بل نتحدث عن خروج غاضب على سياسات ناتجة عن تركز السلطات في دائرة صغيرة مبنية على مبدأ تقاسم المكتسبات. مما يعني، ان الاستمرارية والاستقرار باتتا مرهونتين بمسألة إغلاق حقبة سابقة والاستعداد لحقبة مقبلة.
ويتطلب إغلاق الحقبة السابقة تقييماً جدياً مبنيا على فكرة عبر جردة الحساب، تحديد الأخطاء ومعاقبة من أساء وأخطأ، فدون تثبيت مبدأ العقاب من الصعب إعادة ضبط بوصلة العمل العام.
عندها يمكن التيقن من سلاسة الانتقال إلى المرحلة المقبلة.
أما المرحلة الثانية فلابد ان تتميز بالشفافية والوضوح، وهذا يتطلب وضع خريطة طريق واضحة المعالم والخطوات، اقتصادية وسياسية، مبنية على فكرة التشاركية وإدراك ان الشعوب لا يمكن ان تبقى تدفع ثمن أخطاء وقرارات أُخذت بالنيابة عنهم.
من المهم الإشارة إلى ان دخول الأردن اليوم إلى هذه المرحلة يأتي على خلفية تحولات مهمة في الإقليم والمشهد الدولي، يعاني فيها الأردن من نوع من أنواع التهميش السياسي الذي يهدد وجود الغطاء الدولي الذي طالما كان ضامناً لاستقرار النظام في الأردن.
النهج الدولي المبني اليوم على قواعد وأساسات البراغماتية الاقتصادية يشير بوضوح إلى ان أهمية الدول يحددها حجم المصالح الاقتصادية.
هذه الخلاصة تدفعنا إلى الإقرار بأن المسألة الأردنية اليوم تحتاج وقفة حقيقية، واستيعابا لحجم التحديات التي تحملها هذه التحولات، واعتبار ان ما يجري حالة متقدمة تحتاج إلى تشخيص متقدم وقناعة باستحالة التعاطي معها بالعقليات القديمة والإجراءات التجميلية نفسها.
تشكل طبيعة التحرك الأردني دعوة فعلية لاستيعاب العمق الحقيقي للحراك ودوافعه ومحركاته. فمن ناحية، يُصر البعض على اختزال هذا الحراك بالعامل الاقتصادي، وبارتباطه العضوي في الإجراءات الاقتصادية التي دفعت الناس إلى الشارع.
لكن لابد من النظر إلى الأمور من زاوية أكثر شمولاً وعمقاً. فقد لا يختلف إثنان على ان صاعق التفجير للغضب الأردني اليوم كان اقتصادياً، لكنه في جوهره تعبير عن حالة تراكمية من الغضب الذي خرج إلى السطح بعد اتمام عملية النمو الداخلي. كذلك لابد من الإقرار ان في دولة مثل الأردن من المستحيل ان تقتصر وصفة الحل الاقتصادي على إجراءات اقتصادية دون مراجعة سياسية حقيقية. ولعل الذهنية الأردنية ما زالت تستحضر، ثورة 1989 «هبة نيسان» والتي أسقطت الأحكام العرفية وكسرت احتكار فئة متغولة للسلطة وأعادت للأردنيين بعضاً من حقوقهم السياسية.
لسنا هنا في صدد عقد مقارنات بين حقب سياسية سابقة، لكن لابد من التأكيد على استحالة قراءة الأحداث الجارية في الأردن بعيداً عن طبيعتها السياسية وحجم التحولات التي يشهدها المجتمع الأردني. قد يكون أبرز ما يميز الحراك الأردني هو الروح الشبابية البعيدة كل البعد عن الايديولوجيات المفرقة أو التجاذبات الإقليمية، مما يجعل الحراك اليوم وصفة أردنية خالصة ناتجة عن رحم المعاناة الأردنية نفسه. هذه العوامل أدت اليوم إلى إسقاط عوامل التهشيم الداخلية والانقسامات المجتمعية العامودية والعرضية، فالفئات العمرية المتقاربة توحدها اليوم مشاكلها المشتركة.
الشباب الأردني المهمش والمحروم من المشاركة في صناعة مستقبله بسبب تغول فئة قليلة على إدارة المشهد السياسي والاقتصادي، واغتصاب صناعة القرار، يجد نفسه اليوم في مواجهة مباشرة مع حقبة كاملة بشخوصها وسياستها، ويجد نفسه في تحد حقيقي بأن ينتقل بالأردن إلى مرحلة نقية خالصة من شوائب السياسات السابقة وشخوصها وتفتح باب الأمل بمستقبل تكون نواته الأساسية مشروعاً وطنياً أردنياً قادراً على ضم جميع فئات الشباب وإشعار الأردنيين بأردنيتهم الغائبة، وامتلاكهم لمؤسسات دولتهم وتحويلهم إلى لاعبين فاعلين في المشهد السياسي الأردني ومشاركين حقيقيين في بناء مستقبلهم.
في السنوات الأخيرة، ظهرت إشارات واضحة لتشكل حالة متطورة من الوعي السياسي لدى فئات كبيرة من الشباب الأردني (تجمعات طلابية، تيارات فكرية وسياسية) في إشارة واضحة إلى حراك نوعي ناضج يسعى لكسر طوق الحصار السياسي الذي تفرضه عليه التركيبة التقليدية المترهلة للحياة السياسية في الأردن. وبالرغم من غياب أي التفات حكومي لهذه الظواهر، إلا ان هذا التطور اللافت في مستوى الوعي السياسي، واكبه اتساع دائرة الشعور بالإحباط، والصعوبات الاقتصادية، وارتفاع مستويات البطالة. في المقابل، أظهرت الحكومة عجزاً عن معالجة المشاكل الاقتصادية المستشرية، متذرعة بتوقف المساعدات الأجنبية وتغير الموقف الخليجي وعبء اللجوء السوري.
معادلة الإفلاس السياسي هذه، قادت الحكومة إلى انتهاج نهج جبائي بامتياز أجج مشاعر الغضب والاحتقان لدى كافة فئات الشعب الأردني، يضاف إلى ذلك غياب أي قدرة على التواصل مع الداخل في صورة رسخت المنهج الاستعلائي على الشعب، وهذا ما لا يمكن إسقاطه عند قراءة مشهد الاحتجاجات في الأردن. فالوزراء المفروضون على الشعب الأردني، لم يتمتعوا بأي خاصية من خصائص الحكم الرشيد التي تتطلب في أدنى مستوياتها ان يتمتع المسؤول بقدرة على الاقناع والتواصل مع الجمهور.
وما زاد الطين بلة، هو حالة الفراغ المتشكل في جسد الدولة الفاقدة للشخوص القادرة على التعبير والظهور في وقت الأزمات، لا بل ان المسؤول في العهد الأخير بات لا يتقن إلا فن التأزيم في حال قرر الكلام.
الوضع الحالي في الأردن يتطلب قراءة معمقة بعيدة عن السطحية وخاصية انكار وجود الأزمة التي تميز بها أصحاب القرار في الأردن. ان خروج الأردنيين اليوم إلى الشارع يشكل بحد ذاته نقطة فاصلة ومهمة تستدعي الادراك بأن الشباب الغاضب يحاكم اليوم حقبة ونهجا، لا قرارا أو إجراء اقتصاديا.
ان نمط هذه الاحتجاجات في أي مملكة يتطلب التوقف ملياً، فنحن هنا لا نتحدث عن صراع ايديولوجي حزبي بين أحزاب حاكمة، بل نتحدث عن خروج غاضب على سياسات ناتجة عن تركز السلطات في دائرة صغيرة مبنية على مبدأ تقاسم المكتسبات. مما يعني، ان الاستمرارية والاستقرار باتتا مرهونتين بمسألة إغلاق حقبة سابقة والاستعداد لحقبة مقبلة.
ويتطلب إغلاق الحقبة السابقة تقييماً جدياً مبنيا على فكرة عبر جردة الحساب، تحديد الأخطاء ومعاقبة من أساء وأخطأ، فدون تثبيت مبدأ العقاب من الصعب إعادة ضبط بوصلة العمل العام.
عندها يمكن التيقن من سلاسة الانتقال إلى المرحلة المقبلة.
أما المرحلة الثانية فلابد ان تتميز بالشفافية والوضوح، وهذا يتطلب وضع خريطة طريق واضحة المعالم والخطوات، اقتصادية وسياسية، مبنية على فكرة التشاركية وإدراك ان الشعوب لا يمكن ان تبقى تدفع ثمن أخطاء وقرارات أُخذت بالنيابة عنهم.
من المهم الإشارة إلى ان دخول الأردن اليوم إلى هذه المرحلة يأتي على خلفية تحولات مهمة في الإقليم والمشهد الدولي، يعاني فيها الأردن من نوع من أنواع التهميش السياسي الذي يهدد وجود الغطاء الدولي الذي طالما كان ضامناً لاستقرار النظام في الأردن.
النهج الدولي المبني اليوم على قواعد وأساسات البراغماتية الاقتصادية يشير بوضوح إلى ان أهمية الدول يحددها حجم المصالح الاقتصادية.
هذه الخلاصة تدفعنا إلى الإقرار بأن المسألة الأردنية اليوم تحتاج وقفة حقيقية، واستيعابا لحجم التحديات التي تحملها هذه التحولات، واعتبار ان ما يجري حالة متقدمة تحتاج إلى تشخيص متقدم وقناعة باستحالة التعاطي معها بالعقليات القديمة والإجراءات التجميلية نفسها.
د.عامر السبايلة
What's Your Reaction?
Excited
0
Happy
0
In Love
0
Not Sure
0
Silly
0
Amer Al Sabaileh
Director of Security Languages - Senior political and security analyst